الحق الثالث للزوجيه وهو المهر
الفصل الثالث
في الحق الثالث للزوجة وهو المهر:
اشترط ذكر المهر في العقد.
هل المهر عوض عن شيء؟
مقدار المهر.
أنواع المهر:
متى يجب مهر المثل؟
الزيادة في المهر والحط منه.
تعجيل المهر وتأجيله.
مؤكدات المهر:
المبحث الأول
في التعريف به وسبب إيجابه ومم يكون؟
المهر: حق مالي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في عقد زواج صحيح،
أو دخول بشبهة أو بعد عقد فاسد. وهذا التعريف يفيد أن المهر واجب، وأنه يجب
على الرجل لا على المرأة، وأن وجوبه ثابت بأحد أمرين:
الأول: مجرد العقد ويكون في الزواج الصحيح لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء:
24]، فهو يفيد أن طلب الزواج لا يكون إلا بالمال، وليس له معنى إلا وجوب
المهر بمجرد العقد الصحيح، وإن كان هذا الوجوب لا يستقر إلا إذا تأكد بأمر
من مؤكدات المهر، لأنه قبل تأكده عرضة لأن يسقط بعضه إلا إن طلقها قبل
الدخول، أو يسقط كله لا إلى بدل إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول، أو
يسقط كله إلى بدل إذا فسدت التسمية فإنه يجب عليه المتعة.
الثاني: الدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أو في المخالطة بشبهة،
وفي هذا لا تبرأ ذمته منه إلا بالأداء أو الإبراء منه من جانب المرأة.
44. وبعد وجوبه، هل يشترط ذكره في العقد؟
عقد الزواج لا يتوقف وجوده ولا صحته شرعاً على ذكر المهر فيه
بالاتفاق، لأنه ليس ركناً من أركانه ولا ذكره شرطاً لصحته بل يثبت المهر
ديناً في ذمه الزوج بمجرد العقد الصحيح النافذ فهو حكم من أحكامه وأثر من
آثاره، والدليل على صحته مع عدم تسمية المهر قوله تعالى: {لا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ
وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] فهذه الآية تدل على نفي الجناح عن المطلقين
قبل الدخول وقبل فرض المهر، والطلاق لا يكون إلا بعد قيام الزوجية الصحيحة،
ولو كانت تسمية المهر شرطاً لصحة الزواج لما صح العقد وبالتالي لم يكن
طلاق مباح.
وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن المرأة التي
تزوجت ولم يسم لها زوجها مهراً ثم مات عنها قبل الدخول، فقال: بعد تردد
طويل استمر شهراً من الزمان: لم أجد ذلك في كتاب ولا فيما سمعته من رسول
الله ولكن أجتهد رأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأً فمني ومن
الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، أرى لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط" أي
لا نقص ولا زيادة، فقام رجل يقال له معقل بن سفان وقال: إنني أشهد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق الأشجعية مثل قضائك هذا، ثم
قام أناس من أشجع وقالوا: إنا نشهد بمثل شهادته. ففرح ابن مسعود بذلك، وهذا
يدل صراحة على أن العقد صحيح وإن لم يذكر المهر فيه، وأن الواجب عند عدم
التسمية هو مهر المثل.
45-هل المهر عوض عن شيء؟
وإذا وجب المهر على الزوج بمجرد العقد فهل كان وجوبه عوضاً عن شيء ملكه في مقابلته أو كان عطاء لازماً وهدية قررها الشارع؟
اختلف نظر الفقهاء في ذلك. فمنهم من يذهب إلى أنه عوض عن ملك
المتعة ومن هنا حكموا بفساد العقد إذا تزوجها على ألا مهر لها وقبلت ذلك
قياساً له على البيع إذا نفى فيه الثمن.
وقالوا: إن القرآن سماه أجراً في مقابلة الاستمتاع في قوله تعالى:
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
فَرِيضَةً} وفي الآية التي بعدها يقول: {وآتوهن أجورهن بالمعروف}.
وذهب آخرون إلى أنه وجب على أنه هدية لازمة وعطية مقررة من الشارع،
لأن القرآن سماه نحلة في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً}، والنحلة تطلق على ما ينحله الإنسان ويعطيه هبة عن طيب نفس بدون
مقابلة عوض، وقيل نحلة تدينا والنحلة الديانة والملة.
ما يصلح أن يكون مهراً:
لا خلاف بين الفقهاء في الأشياء بالنسبة لصلاحيتها لأن تجعل مهراً تتنوع إلى نوعين:
نوع يتعين أن يكون المهر منه، وهو كل ما له قيمة شرعية سواء كان عينا من الذهب والفضة أو منفعة مباحة تقوم بالمال أو ديناً في الذمة.
ونوع لا يصلح أن يكون مهراً وهو كل ما ليس بمال أو كان مالاً غير
متقوم شرعاً كالخمر والخنزير في حق المسلم أو منفعة غير مباحة أو مباحة
ولكنها لا تقوم بمال، وإن اختلفوا في تطبيق هذين الأصلين على بعض الجزئيات
لاختلاف وجهات النظر فيها، لأن المهر إما عوض كما يرى بعض الفقهاء أو هبة
من الزوج لازمة وكل منهما لا يكون إلا من النوع الأول.
فلو سمى لها مقداراً معيناً من المال ذهباً أو فضة مضروبة أو غير
مضروبة أو غير مصنوع أو ورقاً نقدياً أو قدراً معيناً من المكيلات أو
الموزونات أو المنسوجات أو داراً معينة أو سكنى دار أو منفعة أرض أو خدمة
يؤديها لا يكون فيها مهانة له، أو ديناً في ذمة الزوجة أو في ذمة شخص آخر
وما شاكل ذلك صحت التسمية، وإن سمى لها غير ذلك مما ليس بمال متقوم أو
منفعة غير مباحة أو لا تقوم بمال لا تصح التسمية.